فوضى المحتوى الرديء- هل تنهار منصات التواصل؟!
المؤلف: محمد العتيبي11.27.2025

يا له من تحول مؤسف طرأ على منصات التواصل الاجتماعي! من أين تدفق هذا السيل الهادر من المحتوى الهابط والتافه، ليغمر أسماعنا وأبصارنا وعقولنا بضجيجه وسطحيته؟ كيف استطاع هؤلاء المتطفلون، الفارغون من كل مضمون فكري وقيمي، أن يستبيحوا صفحاتنا وشاشاتنا وفضاءاتنا بهذا الركام من المحتوى الرخيص، المستخف بعقولنا، والمجرّد من قيمنا الرفيعة، والخالي من أي معنى حقيقي أو منطق سليم؟
إنها مجرد كلمات متناثرة، ترصّف بشكل عشوائي وغير مدروس، دون أدنى اهتمام بالسياق أو الفكرة أو المعنى. فالهدف الأسمى هو إثبات الوجود وتقديم الذات بأي ثمن. "اسمي موجود"، و"صورتي معروضة"، إذن كل شيء على ما يرام، والباقي تفاصيل هامشية لا قيمة لها.
يكمن الخطر الحقيقي لهذه الظاهرة المتنامية، التي تجتاح منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت، بحكم هذا العصر، منبرًا مفتوحًا للجميع، في سرعة انتشارها وتفشيها ليس فقط بين الراغبين، بل أيضًا بين القادرين على الدفع مقابل الظهور، بغض النظر عما خطّته أيديهم أو نطق به لسانهم أو خطر ببالهم. وهكذا، يصبح المشهد العام باهتًا ومتذبذبًا. فالمثقف يتناول تأثيرات أسعار الفائدة، والاقتصادي يستعرض أحدث خطوط الموضة، وخبيرة التجميل تحلل آخر مستجدات طبقة الأوزون، ومصمم الأزياء يترنم بأبيات فحول الشعراء، ولاعب الكرة يعيد سرد قصة حرب داحس والغبراء، وخبير الطهي يتكهن بملامح الحرب العالمية الثالثة، بينما يقدم عامل البناء نصائحه القيّمة في فنون الإتيكيت والبروتوكول. وكل ذلك يتم بتوقيع "خبير" و"مستشار" و"باحث" دون أي رقابة أو مساءلة، ودون أي دليل موضوعي يدعم هذه الادعاءات!
صحيح أن للجميع الحق في التعبير عن آرائهم وهواياتهم واهتماماتهم، ولكن ليس من المنطقي أبدًا أن يتصدروا المشهد ليصبحوا هم المرشدين والمُلهمين والمراجع الموثوقة، مستغلين الإعجابات والثناءات التي يحصدونها على ما لا يفقهون فيه. ولمنع الوصول إلى هذه الحالة المزرية، كان لا بد من إقرار اللوائح والأنظمة، ومن خلفها الهيئات التنظيمية، لضبط المحتوى المتداول عبر الفضاء الرقمي، وتنقيته من هذه الفوضى العارمة.
إن الهوس بالظهور والتقليد الأعمى من قبل المتطفلين يشكل تهديدًا خطيرًا للدور التنويري والمعرفي الذي اضطلعت به وسائل الإعلام المختلفة عبر التاريخ، بدءًا من دواة الحبر المتواضعة ووصولًا إلى شاشات الهاتف المحمول الذكية. لطالما حملت هذه الوسائل مسؤولية إثراء العقل الجمعي وبنائه، وإزاحة ظلام الجهل والتخلف. غير أن الواقع المرير اليوم يكاد يطمس هذا الدور النبيل، في ظل هذا الترحيب غير المبرر والمنفلت من كل ضابط بالهواة ومحتواهم الاستهلاكي والعبثي. وفي هذا السياق، أرى أن "مقص الرقيب" الذي كان يجب أن يكون حاضرًا لحماية المحتوى الجيد، يغطّ في سبات عميق.
أكتب هذه الكلمات من على منبر صحيفة عريقة، لها من اسمها نصيب كبير وحضور راسخ في عالم الصحافة. وأدرك تمام الإدراك –ودون أي تملق– أنها من بين القلة النادرة التي ما زالت تتمسك بالحد الأدنى من المعايير المهنية لرسالة الكتابة والصحافة والتنوير. وما دفعني إلى هذا البوح الصريح هو غيرتي الشديدة على هذه "السلطة" الإعلامية السامية، ولا أريد لها أن تنهار أو أن تجرفها تيارات الانحدار، أو أن تتحول إلى مجرد ركن في سوق الاستهلاك الرخيص. بل أريد لها أن تبقى حصنًا منيعًا ضد كل ما هو رديء ومزيف ومضلل.
إنها مجرد كلمات متناثرة، ترصّف بشكل عشوائي وغير مدروس، دون أدنى اهتمام بالسياق أو الفكرة أو المعنى. فالهدف الأسمى هو إثبات الوجود وتقديم الذات بأي ثمن. "اسمي موجود"، و"صورتي معروضة"، إذن كل شيء على ما يرام، والباقي تفاصيل هامشية لا قيمة لها.
يكمن الخطر الحقيقي لهذه الظاهرة المتنامية، التي تجتاح منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت، بحكم هذا العصر، منبرًا مفتوحًا للجميع، في سرعة انتشارها وتفشيها ليس فقط بين الراغبين، بل أيضًا بين القادرين على الدفع مقابل الظهور، بغض النظر عما خطّته أيديهم أو نطق به لسانهم أو خطر ببالهم. وهكذا، يصبح المشهد العام باهتًا ومتذبذبًا. فالمثقف يتناول تأثيرات أسعار الفائدة، والاقتصادي يستعرض أحدث خطوط الموضة، وخبيرة التجميل تحلل آخر مستجدات طبقة الأوزون، ومصمم الأزياء يترنم بأبيات فحول الشعراء، ولاعب الكرة يعيد سرد قصة حرب داحس والغبراء، وخبير الطهي يتكهن بملامح الحرب العالمية الثالثة، بينما يقدم عامل البناء نصائحه القيّمة في فنون الإتيكيت والبروتوكول. وكل ذلك يتم بتوقيع "خبير" و"مستشار" و"باحث" دون أي رقابة أو مساءلة، ودون أي دليل موضوعي يدعم هذه الادعاءات!
صحيح أن للجميع الحق في التعبير عن آرائهم وهواياتهم واهتماماتهم، ولكن ليس من المنطقي أبدًا أن يتصدروا المشهد ليصبحوا هم المرشدين والمُلهمين والمراجع الموثوقة، مستغلين الإعجابات والثناءات التي يحصدونها على ما لا يفقهون فيه. ولمنع الوصول إلى هذه الحالة المزرية، كان لا بد من إقرار اللوائح والأنظمة، ومن خلفها الهيئات التنظيمية، لضبط المحتوى المتداول عبر الفضاء الرقمي، وتنقيته من هذه الفوضى العارمة.
إن الهوس بالظهور والتقليد الأعمى من قبل المتطفلين يشكل تهديدًا خطيرًا للدور التنويري والمعرفي الذي اضطلعت به وسائل الإعلام المختلفة عبر التاريخ، بدءًا من دواة الحبر المتواضعة ووصولًا إلى شاشات الهاتف المحمول الذكية. لطالما حملت هذه الوسائل مسؤولية إثراء العقل الجمعي وبنائه، وإزاحة ظلام الجهل والتخلف. غير أن الواقع المرير اليوم يكاد يطمس هذا الدور النبيل، في ظل هذا الترحيب غير المبرر والمنفلت من كل ضابط بالهواة ومحتواهم الاستهلاكي والعبثي. وفي هذا السياق، أرى أن "مقص الرقيب" الذي كان يجب أن يكون حاضرًا لحماية المحتوى الجيد، يغطّ في سبات عميق.
أكتب هذه الكلمات من على منبر صحيفة عريقة، لها من اسمها نصيب كبير وحضور راسخ في عالم الصحافة. وأدرك تمام الإدراك –ودون أي تملق– أنها من بين القلة النادرة التي ما زالت تتمسك بالحد الأدنى من المعايير المهنية لرسالة الكتابة والصحافة والتنوير. وما دفعني إلى هذا البوح الصريح هو غيرتي الشديدة على هذه "السلطة" الإعلامية السامية، ولا أريد لها أن تنهار أو أن تجرفها تيارات الانحدار، أو أن تتحول إلى مجرد ركن في سوق الاستهلاك الرخيص. بل أريد لها أن تبقى حصنًا منيعًا ضد كل ما هو رديء ومزيف ومضلل.
